القطاع الحرفي اللّبناني والأزمة الاقتصادية – المالية
عام 2015، قدّرت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعيّة (يونيدو) صادرات القطاع الحرفي في لبنان بنحو 464 مليون دولار، أي ما يعادل 18% من إجمالي الصادرات، وأن الصناعات الثقافيّة والإبداعية تساهم بنحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظّف نحو 4.5% من اليد العاملة الوطنيّة.
وتتألّف صادرات الصناعة الإبداعية، بشكل أساسي، من المجوهرات (67%)، والكتب المطبوعة (12%)، والصابون (3%)، والأثاث (3%) وغيرها، وقد شهد هذا القطاع منذ عام 2011 معدّل نموّ سنوي بنسبة 13 في المئة.
كانت هذه هي الحال رغم المشكلات التي تعتري القطاع، وأهمّها غياب السياسات الحمائيّة. إذ إن قانون الجمارك يعفي 85% من المنتجات المستوردة من الرسوم الجمركية، أو يُخضعها لرسوم لا تزيد نسبتها على 5%، ما يعرّض القطاع لمنافسة شديدة من السلع المستوردة التي تُباع بسعر أقل بكثير.
اليوم، يُعدّ القطاع الحرفي اللّبناني بين الأكثر تضرّراً من الأزمة الاقتصادية – المالية، وفق مؤتمر «قطاع الحرف في لبنان: دراسة معمّقة ورؤية استراتيجيّة» الذي عقدته جمعية «نحن»، في 18 الشهر الجاري. فإلى المشكلات البنيوية التي يعاني منها قانونياً ونقابياً وتنظيمياً، فقد بفعل انهيار اللّيرة جزءاً كبيراً من المقوّمات التي كان يتّكئ عليها للاستمرار، مع ارتفاع كلفة المواد الأوليّة التي تدخل في عملية الإنتاج. إلّا أنّه رغم ذلك، يمتلك مقوّمات يمكن أن تجعله أحد المساهمين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الظروف تحديداً، وما يمكن أن يوفّره من موارد ماليّة في حال تطويره وتمتّعه بالدّعم والحماية.
ورغم أن القيمة الاقتصادية للقطاع قُدّرت عام 2019 بنحو 28.5 مليار ليرة، وبلغ حجم إيراداته في العام نفسه نحو 18.5 مليار ليرة، تشكّل صناعة المجوهرات 67% من صادرات الصناعة الحرفية الإبداعية
ويوجد «نقابة الحرفيّين اللبنانيّين» التي تضم 230 عضواً وتعمل كهيئة تمثيليّة للدفاع عن حقوق الحرفيّين، إلّا أن «معظم أعضائها تركوا قطاع الحرف واعتمدوا مصدراً آخر للدخل». ودفع ذلك بالبعض إلى إنشاء نقابة بديلة هي «نقابة الحرفيّين» وتضمّ حوالى 120 حرفياً.
وقدّمت الباحثتان غنى طبش وساندرا غصن ورقة بعنوان «إظهار القيمة الاقتصادية للقطاع الحرفي في لبنان» مسحاً شاملاً لسوق الحرفيّين، أظهر أن 65% من الحرفيّين لا يصدّرون بضائعهم، وأن 18% كانوا يصدّرونها في السنوات السابقة، فيما 17% فقط لا يزالون قادرين على تصديرها. وعزت الورقة ذلك إلى غياب سياسة رسمية لحماية الإنتاج والكلفة الباهظة للمواد الأولية والمعدات اللازمة لبعض الأنشطة الحرفية. كما أشارت الباحثتان إلى أن أكثر من 50% من الحرفيّين لا يعلّمون حرفتهم لأي شخص آخر، «وهي إشارة مقلقة إلى زوال الحرفة مستقبلاً». والسبب الرئيسي في ذلك «أن معظم الحرفيّين يعملون لحسابهم الخاص، وهذه الحرف مصدر رزقهم الوحيد، لذلك يتفادون نقل المعرفة إلى الآخرين خوفاً من منافسة محتملة».
وشملت التوصيات ضرورة تأمين انتساب الحرفيّين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الاختياري، والسعي إلى إيجاد أسواق خارج لبنان لتوسيع نطاق تصريف الحرف والمنتجات المحليّة في الأسواق العالمية عبر عقد اتفاقيات تجارية من شأنها أن تؤمّن استيراد المواد الأولية بأسعار معقولة. وعلى المستوى المحلي، السعي إلى تنظيم معارض خاصة بالحرفيّين لا ترتّب عليهم تكاليف باهظة ضمن أنشطة تابعة لوزارة السياحة أو وزارة الثقافة. وأخيراً، تأمين البطاقة التموينية لكلّ حرفي منتسب للنقابة.
وأظهر مسح «إظهار القيمة الاقتصادية للقطاع الحرفي في لبنان» للباحثتين غنى طبش وساندرا غصن وجود نسبة عالية من الحرفيّين في جبل لبنان (23%)، يليه لبنان الشمالي (21%)، فعكار (17%) ولبنان الجنوبي (15%) والبقاع (14%). كما تبيّن أن غالبية (89%) الحرفيين مستقلون يعملون لحسابهم الخاص، وأن 37% منهم يعملون في المنسوجات، يليه قطاع الخشب (24%)، فالعمالة اليدوية (20%) والأشغال الإبداعية (15%) وأخيراً الذهب والمجوهرات (3%). ويعمل 10% من الحرفيين مع جمعيات، و0.5% في تعاونيات، و0.5% مع منظمات غير حكومية، و0.2% ضمن مبادرات متكاملة.
ووفق المسح، ينتج 74% من الحرفيين أقل من 30 قطعة في الشهر. ويسجّل حرفيّو المنسوجات الإنتاج الأعلى (3895 قطعة شهرياً)، يليهم حرفيّو العمالة اليدوية (3745 وحدة) ثم حرفيّو الخشب (3255 وحدة) فالأشغال الإبداعية (1960 وحدة). ويسجّل حرفيّو الذهب والمجوهرات الكمية الأقل من الإنتاج (665 وحدة شهرياً).
صحافة