Tag Archive for: دودة القز

البروكار الدمشقي أصالة جابت العالم

بقلم : م. آية طحان

يعتبر البروكار الدمشقي من أدق وأفخم الأقمشة على مستوى العالم، إذ ينسج من خيوط الحرير الطبيعي المستخلصة من شرانق دودوة القز. وهو قماش فاخر وسميك ينسج على النول اليدوي وتضاف إليه الخيوط الذهبية والفضية.

وتعرف دمشق بأنها حاضنة هذه الصناعة التي تعتبر من أقدم الصناعات السورية.

أصل التسمية :

سمي البروكار قديماً بـ “الديباج”، فالبروكار كلمة أجنبية البعض يرجع أصلها إلى الفرنسية والبعض الآخر يعيدها إلى الايطالية ومنهم من يعيدها إلى الفارسية والآرمية وهي كلمة مؤلفة من مقطعين:

المقطع الأول : “برو” وتعني الحياكة

والمقطع الثاني: “كار” وتعني المهنة

شهرة واسعة وتاريخ عريق:

اشتهرت سورية بصناعة النسيج نتيجة موقعها الجغرافي المهم الواقع على طريق الحرير التجاري، والذي ربط شرق آسيا بدول العالم حيث كانت القوافل التجارية تنطلق من الصين إلى سورية وصولاً إلى البحر المتوسط ثم دول أوروبا. وساهم هذا الطريق في بناء الكثير من الحضارات العظيمة والتعريف بأبرز صناعاتها ونتاجاتها، الأمر الذي أدى إلى شهرة واسعة للبروكار الدمشقي على مستوى المنطقة والعالم.

ويعود التاريخ مجدداً، ليؤكد عمق وتجذر الحضارة السورية في القدم، فقد عثر في تدمر بعد تنقيبات أثرية على مخابئ من المنسوجات القديمة، وقد وجد أكثر من ألفي قطعة قماش من الحرير نظراً لأن تدمر كانت عقدة ومحطة تجارية على طريق الحرير آنذاك.

اسخدم الحرفيون السوريون الحرير الذي تنتجه بلدة الدريكيش السورية التي اشتهرت بتربية دودة القز، والتي تتغذى على أوراق أشجار التوت. وكان الحير المنتج يرسل إلى حلب لمعالجته وصبغه، ليكون جاهزاً للنسيج في دمشق.

أبدى العثمانيون اهتماماً شديداً بالبروكار السوري كصناعة يدوية عريقة وحاولوا نقلها إلى إسطنبول، لكنهم لم يفلحوا في نشرها هناك.

ولم يقف الأمر عند العثمانيين فقط، ففي فترة الاحتلال الفرنسي اهتم الفرنسيون أيضا بصناعة الحرير السوري واحتكروه لمصانع بلادهم، وأبدت مدينة ليون الفرنسية اهتماماً خاصاً بالحرير السوري، لترسل المهندس الفرنسي فيليب جاكار في زيارة إلى دمشق للاطلاع على النول الدمشقي القديم ورسم تفاصيله بغرض تصميم نولٍ شبيهٍ له في فرنسا مع تطويره إلى الآلة الميكانيكية. وسمي فيما بعد بالجاكار الميكانيكي.

ورغم كل ذلك، لم تفلح فرنسا بسرقة صناعة البروكار السوري الطبيعي، والسبب كما يقول مؤرخون يعود لافتقارها إلى المادة الأولية، ألا وهي الحرير الطبيعي.

نسيج من الحرير الطبيعي:

يحاك البروكار على الأنوال اليدوية ويستغرق وقتاً طويلاً حيث لا ينتج في اليوم الواحد أكثر من ثلاثة أمتار منه. وبما أن البروكار أحد أنفس وأثمن الأقمشة فقد بلغ صيته أرجاء العالم وأصبح لباساً للملوك والأمراء فهو يتميز بنعومة ملمسه إضافة إلى توشيحه بخيوط الذهب والفضة ورسومه النباتية والطيور المرسومة عليه بدقة متناهية، ويمتاز بمنحه البرودة صيفاً والدفء شتاءً.

أشكال وألوان والملمس حرير سوري

تتعدد أنواع وأشكال البروكار فمنها البروكار العادي الذي يصنع من الحرير ويتميز بأنه بروكار ملون، والبروكار المقصب الذي يتم تصنيعه باستخدام الخيوط الذهبية أو الفضية ودور هذه الخيوط في النسيج ينحصر في الرسوم والأشكال التزينية. ولإنجاز التصميم  المطلوب ينفذ على ورق أبيض مقسم إلى مربعات مع التلوين والحسابات ثم ينقل إلى الجاكار ويثبت على النول اليدوي وهي عملية تحتاج لوقت وجهد ودقة.

البروكار السوري يصل أوربا:

وصلت شهرة البروكار نتيجة التفنن في صناعته ونقوشه وخيوطه الذهبية والفضية إلى الغرب الأوربي، ويسميه الأوربيون باسم “دامسكو” نسبة إلى مدينة دمشق كما يعرف في إيطاليا باسم بروكاتلو.

وقد ارتدى البروكار شخصيات شهيرة كالملكة الفرنسية ماري انطوانيت زوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر، إضافة إلى إليزابيث الثانية ملكة بريطانية التي ارتدت هي أيضاً ثوباً فخماً من البروكار الدمشقي قدمه لها الرئيس السوري شكري القوتلي عام ١٩٤٧ كهدية بمناسبة زفافها، بعد أن اشتراه من معمل المزنر وقام بحياكته المعلم قاسم الأيوبي على نول يدوي قديم وأعيدت الكرة معها عند تنصيبها ملكة بريطانيا عام ١٩٥٢م وهو محفوظ في  أحد متاحف لندن.

كما كان باباوات الفاتيكان مثل يوحنا بولس والبابا بينديكت، من أبرز مقتني البروكار الدمشقي الذي سجل شهرة واسعة في الغرب الأوربي.

أين البروكار اليوم؟

تواجه حرفة حياكة البروكار اليدوي خطر الاندثار بسبب تراجع عدد آلات الحياكة وغلاء كلفة تشغيل النول هذه الأيام، بالإضافة إلى قلة خبرة العاملين في هذه المهنة وصعوبة انتشار وترويج المنتج لاسيما في ظل الأوضاع السورية الراهنة.

ويدعو مربو دودة القز اليوم وصنّاع البروكار، إلى دعم هذه الحرفة خشية تعرضها للاندثار، أسوة بأقمشة أخرى غابت عن الساحة الابداعية بالاضافة إلى تشجيع تربية دودة القز وتأمين المواد الخام النباتية (شجرة التوت) وخصوصاً في الساحل السوري لملائمتها هذه البيئة ومحاولة ادخال هذه الصناعة على المعاهد والمدارس المهنية والصناعية وافتتاح مراكز تعليمية خاصة بها.