الحرف التقليدية في تونس
الحرف و الصناعات التقليدية متجذرة بعمق في التراث التونسي، و قدساهمت في توفير الدخل للكثير من العائلات التي يعمل أفرادها فيها، و شجع اهتمام الدولة التونسية بالحركة السياحية في رفع الطلب على المشغولات اليدوية ما أدى إلى ازدهارها و جعل تونس من أهم البلدان التي حافظت على صناعاتها الحرفية في عالمنا العربي.
و يُسهم هذا القطاع بنسبة 2% من إجمالي صادرات البلاد و يوفر 10% من فرص العمل سنوياً، حيث تنتشر ورشات الحِرف التقليدية في مختلف المحافظات التونسية و يصل عدد العاملين بها إلى 142 ألف حرفي.
“الشاشية” تاج من الأندلس إلى تونس:
لطالما عرفت تونس بصناعة القبعة الشهيرة التي تصمد بكل وقار وهيبة في وجه الاندثار رغم الصعوبات التي تواجه حرفة توارثها عن الأجداد الأندلسيين وهي “الشاشية“، إحدى أنواع القبعات الرجالية التي تلقى رواجاً ضمن العديد من الدول العربية والإسلامية بألوانٍ مختلفة تعتمد على كل بلد.
ويعود اسم الشاشية إلى كلمة “شاش” وهو الاسم القديم لـ “طشقند” في أوزباكستان، و ظهرت هذه الصناعة مع هجرة الأندلسيين إلى تونس عقب سقوط غرناطة عام 1492.
صناعة الشاشية التونسية:
تعتبر صناعة الشاشية من الفنون الراقية التي تخضع لعادات صارمة إذ يجب على كل من يود احترافها الخضوع لاختبار تُقرّه لجنة مختصة وتُصدّر حوالي 80% من الشواشي التي تنتجها المشاغل الحرفية التونسية إلى ليبيا والجزائر والمغرب والسودان ونيجيريا والشرق الأوسط وآسيا.
و يتمركز حرفيّو الشاشية بسوق الشواشين بتونس، أشهرهم الأمين محمد العباسي الذي أسّس سنة 1945 شركته الخاصة لصناعة الشاشية “مؤسسة محمد العباسي” وهي من أقدم محلات صناعة الشاشية كائنة قرب جامع حمودة باشا بالمدينة العتيقة للعاصمة، حيث تشغّل المؤسسة بصفة مباشرة أو غير مباشرة مئات من الحرفيين في ولايات تونس وأريانة و بنزرت، وتصدر 70 % من إنتاجها المصنوع من الصوف الخالص وذي الجودة العالية إلى بلدان إفريقيا وليبيا، أما باقي الإنتاج فهو موجه إلى السوق المحلية.
أنواع الشاشية :
تتنوع الشاشية بحسب مرتديها، فيلبس التونسيون الشاشية الحمراء المميزة لهم وهي جزء من العلم التونسي، فيما هناك الشاشية السوداء التي يرتديها الليبيون، بالإضافة إلى الشاشية النسائية التي تتميز بحلى فضية تتنوع ألوانها على حسب الأذواق، وتقول طرفة منتشرة في أوساط هذه الحرفة إنه إذا ارتدت النساء الشاشية، فاعلم أن ثمنها سيرتفع كثيراً، و القصد منها هو أن رغبة النساء في التسوق ستزيد الطلب على الشاشيات مما سيرفع سعرها.
كما تحتل الشاشية واحداً من أكثر الأمثال الشعبية تداولاً:”شاشية هذا على رأس هذا”، للإشارة إلى التداخل بين الأمور أو الأشخاص في المواقف، كما عرف تقليد سائد في أوساط صانعي الشاشية، حيث يتمتع صاحب ورشة الشاشية بمكانة كبيرة وهيبة موقرة، ويطلق عليه “المعلم”، فـعندما يدخل المعلم إلى المحل، يذهب للجلوس على كرسي بمكان مخصص له ثم يشير إلى معاونه الذي يذهب إلى الحرفيين ليخبرهم بأن المعلم يقول لكم “صباح الخير”، وهنا يبدأون في عملهم.
“الشاشية”معاناة مع عصر الموضة:
مع توجه الأجيال الجديدة إلى الأزياء العصرية، اقتصر ارتداء الشاشيات على كبار السن أو في المناسبات، كما تقلص أعداد المحلات والعمال تقلصلاً كبيراً، رغم أن هذه الحرفة تمكنت من استيعاب 400 ألف عامل في وقت من الأوقات، لكن مثل كل الصناعات اليدوية العربية، ومع الأسف بدأت تتراجع شيئا فشيئاً.
إعداد: آلاء مدحت فهمي