تنبكجي لموقع الاتحاد : أناشد المهاجرين من الحرفيين السوريين بضرورة الحفاظ على موروثنا الثقافي

يحفل تاريخنا بشتى أنواع المهن والحرف التراثية التي تشهد على تاريخ حضاري عريق لمنطقتنا. وتعتبر حرفة تشكيل وتلبيس النحاس واحدة منها. وقد عرفت هذه الحرفة بداية من خلال صناعة الأواني لتتحول لاحقا إلى التحف والثريات واللمبديرات وغيرها من أثاث المنزل إضافة إلى الديكورات.


ولمعرفة المزيد عن هذه الحرفة التقينا السيد عدنان تنبكجي أمين سر مدربين حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية. إذ شارك شيخ الكار تنبكجي في الكثير من المعارض المحلية والدولية منها معارض في تايلاند وإيطاليا والكويت. وحصل على عشرات الجوائز الدولية والمحلية. وهو أحد المصدّرين السوريين للمنتجات الفنية والحرفية اليدوية.

كيف تعرف لنا هذه الحرفة؟

حرفة تشكيل وتلبيس النحاس عمل فني يعتمد على الذائقة الجمالية والحس الفني والإبداعي للحرفي لتشكيل تحف فنية من قطع نحاسية بما يتناسب مع متطلبات السوق ويحافظ على روح التراث. وتعتبر هذه الحرفة من الحرف الصعبة جدا والتي تتطلب صبرا ودقة في العمل.

وتحتاج هذه الحرفة إلى خبرات مختلفة من التخطيط والرسم، إلى تنزيل الذهب والفضة أو معادن أخرى، والتجويف، إضافة إلى صهر النحاس وسكبه في قوالب مختلفة الأشكال.

كيف تقيمون الواقع الحرفي عموما في سورية وحرفتكم خصوصا؟

يعاني واقعنا الحرفي من خطر شديد جداً جداً. إذ تشهد البلاد حالياً حرباً اقتصادية مستعرة  تترافق مع حرب على التراث السوري. فقد كان سجل الحرف في سورية يقارب الـ 150 حرفة بقي منها حوالي الخمسين فقط. حيث اندثر بعضها واختفى البعض الآخر مثل حرفة المقشاتي والقباقيبي لتراجع الإقبال عليها بشكل كبير.

من هنا، أود أن أناشد المهاجرين من الحرفيين السوريين المنتشرين في بلدان مختلفة إلى ضرورة الحفاظ على موروثنا الثقافي فهو أمانة في أعناقنا وهو الذي يرفع قيمة البلد الثقافية والحضارية، أرجو ألا ينسوا أنهم سوريون، إذ يتم تشغيلهم في دول المهجر وتنسب حرفنا للغير هناك. أتمنى عليهم أن يحافظوا على الهوية السورية للحرف التقليدية كأن يعتمد الحرفيون كتابة “صنع بأيد سورية” على منتجاتهم وهذا الحد الأدنى من الوفاء لوطنهم الأم.

كمدرب لحرفة تشكيل وتلبيس النحاس، ما تقييمك لمستوى الإقبال على تعلم هذه الحرفة؟

تلاقي دورات تعليم حرفتنا إقبالاً كبيراً من أعمار متفاوتة عموماً ومن الشابات خصوصاً لأنها تتطلب حساً فنياً ولا تحتاج لمجهود عضلي. وبعد الانتهاء من تعلم هذه الحرفة ينطلق الخريجون والخريجات إلى افتتاح ورشات مصغرة خاصة بهم أو العمل معنا من خلال استلام مواد من ورشتنا للعمل عليها.

دوراتنا قائمة ومستمرة للحفاظ على هذه الحرفة. وقد وعدتنا جهات تعليمية بأن يتم التشبيك بين الحرف والتعليم لضمان استمرار الحرف.

هل تقبل حرفتكم التقليدية التحديث ؟

هناك خطوط حمراء للحفاظ على المبادئ التي تعلمناها في حرفتنا والتي لازلنا ملتزمين بها، ولكننا نواكب التطورات أيضاً. فأنا أحد الحرفيين الذين طوروا اللون النحاسي بإدخال اثنا عشر لوناً جديداً ليتناسب مع كافة الأذواق في مختلف المناطق. ففي إفريقيا مثلا يفضلون لون النحاس الذهبي الفاقع. وفي لبنان يحبون اللون البرونزي وفي الشام يحبون لون النحاس المطفي وفي الساحل السوري يحبون اللون النحاسي الهادئ بدون تعتيق.

نلمس من حديثك عشقك للنحاس؟

أشعر بأن حرفتي هي قطعة من روحي. كان جدي ومن بعده والدي مثلي الأعلى لتعلم هذه الحرفة ومن أجلها درست فن الديكور لأغني حرفتي وأضيف لها. إذ أن تشكيل وتلبيس النحاس من الحرف اليدوية التي تتطلب ذوقاً رفيعاً، فتشكيل المعادن بطريقة فنية جميلة ورسومات متنوعة يحتاج حساً مرهفاً ليحول القطعة النحاسية إلى تحفة فنية رائعة تسرق الألباب، فهي حرفة تمزج بين الفن والجمال والتراث.

ومعدن النحاس هو المعدن الثالث بعد الذهب والفضة من حيث القيمة، فقد كان شراء النحاس أشبه بشراء الذهب قديما لعدم وجود مصارف، وكان القدماء يشترون القطع النحاسية ويبيعونها وقت الحاجة كون ثمن النحاس يزيد ولا ينقص. وهو من أوائل المعادن المستخرجة أساساً.

والنحاس معدن حنون يتجاوب معنا بكل تفاصيله، وفي حرفتي أستطيع أن أدمج الماضي والحاضر لأصل إلى حرفة عصرية ذات جذور موغلة في القدم.

هل هذه الحرفة خاصة بسورية؟

تعرف هذه الحرفة في دول عربية أخرى. ولكنني عندما أشارك في المعارض الداخلية والخارجية، دائماً يكون جناحنا مكتظاً بالزوار الذين يتحلقون حولنا للاستمتاع بكيفية تصنيع القطع. هناك الكثير من الدول التي تعمل بهذه الحرفة ولكن كفاءة حرفيينا ملفتة بالنسبة لتشكيل وتلبيس وتلوين النحاس. يمكنني القول أن حرفيي سورية المختصين بهذه الحرفة مبدعون حقاً.

لقد تشعبت الحرفة ولم تعد مقتصرة على تشكيل وتلبيس النحاس فقط بل أصبحت تضم تشكيل المعدن ودمجه مع الخشب و الرخام والصدف حيث أتت فكرة دمج الصدف بالنحاس بالتعاون مع السيد محمد الكجك شيخ كار في تطعيم الخشب بالصدف وذلك من خلال عملنا معاً في حاضنة دمر المركزية. وكذلك أدخلنا خيوط الفضة عبر النحاس وهو أمر يستغرق وقتاً طويلاً وكلفة باهظة ولكن المنتج النهائي يأتي في غاية الجمال.

ما هي الصعوبات التي تواجه عملكم؟

تتمثل أهم الصعوبات التي نواجهها والتي جاءت كنتيجة حتمية للعقوبات التي فرضت على سورية وانعكست بافتقارنا لأهم مستلزمات عملنا المتمثلة بالكهرباء والوقود. أما ما تبقى فيمكن للسوري إيجاد البدائل دوماً.

كيف تسوقون منتجاتكم؟

أدى تضخم الأسعار إلى ارتفاع  كبير في أسعار المنتجات محلياً وتراجعها خارجياً. ونحن نعمل على الحفاظ على السوق المحلية ونعتمد التسويق الالكتروني خارج سورية. ويساع           دنا في ذلك أن السيدة السورية لا تستغني عن القطع الجميلة والمتميزة في منزلها مهما كانت ظروفها الاقتصادية. إذ يكاد لا يخلو منزل سوري من قطعة نحاسية أو قطعة فنية.

أما التسويق الخارجي، فرغم العقوبات والظروف الصعبة لا يزال هناك طلبات خارجية على منتجاتنا لثقة الزبائن بها ولأن المنتجات اليدوية أضحت نادرة. كما أننا نعتمد التسويق الإلكتروني أيضاً في هذا المجال. وقد دعمتنا وزارة الاقتصاد مشكورة بدورة التصدير الاحترافي لدراسة الأسواق المستهدفة لكل حرفة وآلية التصدير وطرق إبرام العقود والاستغناء عن الوسطاء وكيفية تجنب المخاطر التي يتعرض لها الحرفيون.

أجرت اللقاء الصحفية: أمل معروف