صناعة السجاد اليدوي (البسط) ..كيف حافظنا عليها حتى اليوم؟

في جولتنا في التكية السليمانية لفتنا قطع السجاد اليدوي برسوماته وزخارفه الفنية القديمة . دخلنا أحد محاله، وهناك التقينا الحرفي عماد وردة وهو أحد خمسة حرفيين لازالوا يعملون في هذه الصناعة التراثية.

كيف أصبحت من الحرفيين القلة جدا الذين يتقنون صناعة السجاد اليدوي؟

أحببت هذه المهنة منذ نعومة أظفاري. عندما كنت صغيرا كان والدي يصطحبني وشقيقي إلى الورشة وسرعان ما التحقنا بالعمل معه عندما كنا في سن الخامسة عشرة تقريبا ولي اليوم ما يزيد على الخمسين عاما مزاولا وعاشقا لهذه المهنة. وقد نقلت عشقي هذا لولدي وزوجتي الذين يعملون جميعا معي. فهناك من يعمل بالصوف وأخر بالصباغ والغزل.  حيث نوزع العمل يوميا فيما بيننا. إذ يقوم أحدنا بغزل الصوف، ويعمل آخر على صبغه، ويقوم ثالث بلف الخيط على مواسير، وبعد ذلك يقوم رابع بحياكته على النول اليدوي. إنه عمل عائلة كاملة. يسعدني أن ألحظ حب ابني وابنتي لهذه المهنة . فابنتي التي تخرجت من كلية التجارة والاقتصاد تواظب على العمل معي في البيت والورشة.  إنها مهنة والدي وأجدادي وأبنائي من بعدي. فمهما كانت دراستهم ، فهم متمسكون بمزاولة مهنة صناعة السجاد اليدوي.

ما هي المواد المستخدمة في هذه الصناعة؟

إن المواد الأولية المستخدمة في هذه المهنة محلية الصنع. وهذا سر نجاح هذه المهنة وهو ما جعلها تستمر في بلادنا. فنحن لا نستورد موادا ولا نتأثر بالحصار المفروض علينا. إنها صناعة مرتبطة بالبيئة السورية, فالقطن يزرع في الرقة وريف حماه والصوف المأخوذ من الماعز والغنم متوفر في البادية السورية والحرير من مصياف، ولكن صناعة الأخير متعثر حاليا .

أما الأصبغة ، فهناك الأصبغة النباتية التي تتميز بجمالها وثباتها عبر الزمن والتي تعتمد على المستخلصات من أزهار نبتة “النيلة” للحصول على اللون الأزرق، وأوراق الكرمة واللوز للحصول على اللون الأصفر وجذور نبات الفوة للحصول على اللون الأحمر، وهناك الأصبغة المصنعة من المواد الكيماوية وهي الرائجة حاليا.

ما هي الآلات التي تستخدمونها؟

النول هو الآلة الوحيدة في صناعتنا حيث يعود “النول اليدوي” لأكثر من خمسة قرون مضت. فالنول متجذِّر في تاريخ منطقتنا . وقد دلت الاكتشافات على وجود النول في فينيقيا قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. وهو نفسه الذي كان مستخدما في مملكة إيبلا ومملكة ماري حيث كانوا يحيكون الحرير للملوك والصوف والقطن لعامة الشعب. فهذا النول البسيط هو ما كان يستخدم لصناعة الملبوسات والفرش. وقد ساعد في رواج هذه الصناعة في منطقتنا وجودنا على طريق الحرير الذي كان يأتينا من الصين. ومن مزايا النول اليدوي أنه يقدم منتجا مفعما بالحياة لأن من ينجزه هو الإنسان الفنان وليس الآلة.

كم عمر محلكم ؟

حرصا من وزارة السياحة على الصناعات التقليدية والمهن التراثية من الانقراض، أنشأت سوق التكية السليمانية وخصصت لنا هذا المحل منذ ما يزيد على الأربعين عاما لأن العاملين في هذا المجال ندرة ففي سورية لم يبقى إلا خمسة حرفيين كبار فقط.

لماذا تقلص عدد حرفيي صناعة السجاد اليدوي بهذا الشكل؟

انقرضت المصلحة لضعف مردودها المادي إضافة لدخول المكنة الآلية كمنافس. تتميز مصلحتنا بالبدائية والبساطة فهي تعتمد على النول كآلة وحيدة في العمل وباقي العمل يدوي بالكامل فأنت تحتاج ما يقارب الأسبوع وأحيانا أكثر لحياكة رسمة على قطعة. وكلما تنوعت الرسوم في القطعة زادت فترة صناعتها وبالتالي ارتفع سعرها.

باعتبارك معلما في هذه المهنة وحريصا على استمرارها، هل دربت آخرين غير عائلتك ؟

دربت الكثيرين ولكن المشكلة أن هذا النول فريد والأنوال الباقية في البلاد تعد على أصابع اليد الواحدة والعمال الذين كانوا يعملون في هذه الصناعة غادروا جميعا بسبب الأزمة في بلادنا.

كيف تحافظون على الزبائن المحليين في ظل الظروف الراهنة؟

تعتبر أسعار منتجاتنا مرتفعة. ولكننا نجد في بقايا الأقمشة كمادة أولية لصناعتنا منفذا لإنتاج قطع بأسعار مقبولة نسبيا تتناسب مع السوق المحلية.

كيف تقيمون الإقبال الخارجي على شراء منتجاتكم؟

أصبحت منتجاتنا حاليا نوعا من الديكور وعاد الإقبال عليها عن طريق السوريين المهاجرين الذي يشتاقون لتراث بلادهم فيعودون ليشتروا قطعا منها مما يعوض قليلا عن انعدام وجود السياح الأجانب الذين كانوا يشكلون الفئة الأكبر من المشترين فيما سبق. ونبيع أيضا منتجاتنا في دول الخليج الذين يحبون امتلاك قطعنا الفنية الفريدة التي يزينون بها مجالسهم.

وختم السيد وردة متمنيا على الاتحاد العربي لدعم الأسر المنتجة والصناعات الحرفية والتقليدية بمساعدتهم ودعمهم في تسويق منتجاتهم ليتمكنوا من الاستمرار بهذه الصناعة الجميلة.

مادة خاصة للصحفية أمل معروف